من هو لورنس العرب ؟



الجاسوس البريطاني ( توماس ادوارد لورنس ) مؤلف كتاب ( أعمدة الحكم السبعة ) : 


شغلت دنيا الصحافة و الأدب في الأربعينات بعدة كتب صدرت وراء بعضها و أغلبها محول من المخابرات البريطانية و قد بلغ عدد هذه الكتب حوالي ثلاثين كتابا تتحدث عن ( لورنس ) شاغل البلاد العربية منذ الحرب العالمية الأولى و حتى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى عرفوه عن كثب و عايشوه و اطلعوا على أعماله و مؤامراته و وصفوه بما يلي : 

(( كان لورنس مجرد عميل للمخابرات البريطانية شاذ جنسيا يعمل ضمن خطة و ضعتها المخابرات البريطانية لتفتيت العالم العربي )) . 

من هو لورنس العربي : 

و لد توماس ادوارد لورنس في 16 آب ( أغسطس ) عام 1888 في بلاد الغال بإنكلترا - والده ايرلندي الأصل هجر زوجته لسوء طباعها و أقام مع مربية أولاده - سارة - التي عاشرها معاشرة الزوجات فرزق منها خمسة أولاد ذكور منهم ( توماس لورنس ) و هكذا فان لورنس ( ابن غير شرعي ) في أيام كانت فيها الولادة الشرعية مدعاة للخجل و العار - في بريطانيا - و يقال أن الولادة غير شرعية قد أثرت في تكوين شخصيته و كانت حافزا له للسعي الى التفوق لمحو عار الولادة الغير شرعية و منذ صغره ظهرت عليه نزعة السيطرة و التفوق و القيادة و الشجاعة في لعبتي السلم و الحرب - كما بدت عليه سيماء الذكاء الحاد و المخيلة الوثابة و الإحساس المرهف . 

و مما أثر في لورنس صغيراً كونه عاش في بيئة رجال لا يخفف من خشونتها سوى حنان الأم و في كبره ظل يتفادى مجالس النساء و لا يرتاح إليهن حتى أشيع عنه الشذوذ و عندما أنهى دراسته الثانوية التحق بجامعة اكسفورد قسم الآثار - فرع البحث العلمي . 

لقاء لورنس الصبي مع المخابرات البريطانية : 
للقدر تدخلات عجيبة في حياة الناس ، فعندما انتقلت عائلة توماس الى اكسفورد لتكون بالقرب من الجامعة لأجله كان في هذه البلدة الجامعية رجل اسمه الدكتور ( جيمس هوجارت ) وهو القيم على متحف اكسفورد باعتباره كاتباً و عالماً بالآثار و مستشرقا معروفا و بنفس الوقت كان عضوا بارزا في المخابرات البريطانية و قد لاحظ هذا الرجل ميول لورنس الصغير للعلوم الأثرية فاهتم به ورعاه في شتى مراحل الدراسة فيما بعد و لا نبالغ إذا قلنا أن المخابرات البريطانية كانت في تلك الأيام تعيش عصرها الذهبي و في أوج ازدهارها و سلطاتها ، و كانت تطل من وجه عالم آثار أو بائع خضار أو سائق تكسي أو حتى بائعة هوى ، وفي هذه القصة تطل على لورنس بشكل عالم آثار رعاه باسمها و لم يكن في إمكان الصبي أن يدرك من أمرها شيئاً . 
و كما كان لقاء المخابرات مع لورنس بغير موعد كان لقاء لورنس مع العرب صدفة أيضا و عن طريق كتاب اسمه ( الصحراء العربية ) بقلم شارل دوني ، حيث كان يطالع هذا الكتاب وهو طريح الفراش لكسر في رجله وقد ألهب الكتاب مخيلته و أيقظ في نفسه رغبة ملحة تدعوه الى تعلم اللغة العربية و الانطلاق الى حياة الصحراء البدوية و انطلاقا من هذه المشاعر العربية نشأ حلم لورنس بالشرق الأوسط و الصحراء مجذوباً بسحر خفي لا يدرك سره . 
شفي لورنس من كسر رجله و غادر الفراش مرهق نفسيا لأنه علم بنبأ ولادته غير الشرعية أثناء مكوثه بالفراش فازداد هماً على هم و أصيب جهاز الغدد في جسمه فتوقف نموه و ظل صغير القامه مدى العمر و جميع هذه المصائب نزلت عليه و لم يبلغ الواحدة و العشرين من عمره .
قرر إنهاء دراسته الجامعية في اكسفورد بتقديم أطروحة في الدكتوراه موضوعها (( تأثير الصليبيين على فن النحت في الأجيال الوسطى )) و شجعه الدكتور هوجارت عميل المخابرات البريطانية و اقترح عليه السفر الى الشرق لتحضير هذه الأطروحة فسافر الى بيروت في حزيران ( يونيو ) 1909 و من بيروت توجه الى صيدا ثم الجليل ثم الناصرة ثم جبل الكر مل ثم عكا و كان يبحث و ينقب عن الآثار التي تساعده في جمع المعلومات لأطروحته و كأن أشباح الصليبيين كانت ترافقه ثم عاد الى صور و منها الى دمشق ثم الصحراء فتعرف على البدو و حياتهم و أحب حضارتهم المتحررة من أثقال المدينة حتى وصل إلى قرية ( أورفا ) على الحدود التركية ثم عاد الى حلب حيث أصيب بالملاريا مما اضطره للعودة الى بيروت و منها بحراً الى بريطانيا . 
بعد عودته الى بريطانيا قدم أطروحته عن ( تأثير الصليبيين في فن النحت في الأجيال الوسطى ) فقبلت بدرجة ( تفوق ) و نسخت المخابرات البريطانية صورة عن أطروحته و شهادته الجامعية لتضمها الى ملفه لديها ذو الرقم ( 3174/س ) و بعد الاستراحة توجه الى العراق ملتحقاً بالبعثة البريطانية التي تقوم بتنقيبات أثرية و هناك ازدادت معرفته بالصحراء و أهلها هناك عرف أكثر و أكثر كيف يحيا إنسان الصحراء مع الله و مع نفسه فإذا به يجد لذة في الحرمان و القسوة و الزهد و هكذا اصبح يعرف طباع الشرقيين و لا سيما طباع البدو و أكثر من هذا صار يتكلم اللغة العربية كأهلها بل أصبح يجيد اللهجة البدوية و كأنه من أهل الصحراء يجوع و يعطش و يسير أياما تحت الشمس المحرقة دون أن يشكو أو يمرض و قد أدت قدرته على التحمل الى إعجاب البدو به و كان لورنس بكل ذلك يعد نفسه لعمل سياسي في البلاد العربية لم يسبقه أحد إليه . 

انتهاء الدراسة الجامعية و بدء العمل الجاد : 
عاد لونس الى لندن و قد تغيرت حياته و أخذ يتحين الفرص للعمل الذي خطط له وقد حالفه الحظ عندما أطلق شاب النار بتاريخ 28 حزيران ( يونيو ) 1914 على الأرشيدوق النمساوي فقتله و بذلك بدأت الحرب العالمية الأولى فعين لورنس برتبة ضابط احتياط في فرع الخرائط لدى القيادة العامة للقوات البريطانية ( المحتلة للقاهرة في حينه ) و بعد ذلك ظهر لورنس على حقيقته حيث التحق في مقر المخابرات البريطانية بالقاهرة ثم نقل نشاطه الى منظمة سريه أنشئت في القاهرة تحت اسم مستعار لتغطية نشاطها باسم ( المكتب العربي ) و هذا المكتب عبارة عن فرع من فروع المخابرات البريطانية لممارسة النشاط التخريبي في مصر و الأقطار العربية و بعض البلدان التابعة للسلطة العثمانية في حينه . 

و بتاريخ 12 تشرين الأول ( أكتوبر ) 1916 توجه السيرستور البريطاني الى السعودية و كان اسمها في حينه ( الحجاز ) أو ( الجزيرة العربية ) يرافقه ( لورنس ) و بعض الضباط البريطانيين كانت تلك الرحلة تاريخية بالنسبة الى لورنس إذ أنه بدأت معها أسطورة ( لورنس العرب ) بل بدأت معها أكبر ملحمه عرفتها حياة إنسان إنها قصة رجل تشبه أخبار الخرافات و هناك استطاع التسلل الى القبائل العربية التي كانت ثائرة على الاستعمار العثماني و راغبة في التخلص من حكم ( الأتراك ) فاستطاع أن يقنعهم بالثورة على العثمانيين و التحالف مع بريطانية مقابل التعهد لهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة و أصدرت السلطات البريطانية ما يثبت للقبائل العربية أنها سوف تنفذ ما تعهد به لورنس باسمها و لكن ما إن انتهت الحرب العالمية الأولى حتى تنكرت بريطانيا لوعودها هذه و جزأت البلاد العربية كما هو معروف و ذهبت وعود ( لورنس العميل ) أدراج الرياح الذي ظهر أنه مجرد عميل مهمته الأساسية هي تفتيت البلاد العربية و عدم السماح لها بتوحيد قواها لأن وعد لورنس لشريف مكة باسم بريطانيا كان ينص على قيام القبائل السعودية بالثورة ضد الأتراك و قال في وعده أنه مقابل ذلك فان الحكومة البريطانية التي يمثلها سوف تضمن قيام دولة عربية تمتد من البحر الأحمر حتى الخليج العربي و تشمل الجزيرة العربية بأسرها بما فيها الساحل السوري الذي يضم سوريا و لبنان و فلسطين و قام لورنس في حينه بتسليم شريف مكة رسائل موقعة من ( مكماهون ) المندوب السامي البريطاني في مصر و هذه الرسائل تتعهد باسم الحكومة البريطانية بتنفيذ التعهدات المذكورة أعلاه و سميت هذه الرسائل بـ (( مذكرات مكماهون )) و قد خدع زعماء القبائل و شريف مكة و أعلنوا الثورة على الأتراك و عندما هزمت تركيا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى اتضح أن البريطانيين لم يخلوا بوعودهم للعرب فقط بل أنهم عقدوا اتفاقا سريا مع فرنسا بتاريخ 16 آيار 1917 عرف هذا الاتفاق فيما بعد باسم ( معاهدة سايكس بيكو ) التي و قعها عن الجانب البريطاني ( مارك سايكس ) و ( جورج بيكو ) عن فرنسا و بموجب هذه المعاهدة تعود سوريا و لبنان لفرنسا و تعود العراق و الأردن و فلسطين لبريطانيا . 
عدا عن ذلك فقد سافر ( بلفور ) و زير خارجية بريطانيا الى الولايات المتحدة في صيف 1917 راجياً تدخلها في الحرب الى جانب الحلفاء و لكن الرئيس الأمريكي في حينه ( و لسن ) و عد بلفور بالتدخل شريطة تأمين و طن قومي لليهود في فلسطين التي كانت من حصة بريطانيا لدى القسمة الاستعمارية المعروفة ( سايكس بيكو ) و قد طلب - ولسن - هذا الطلب من بلفور بتأثير من رجل إسرائيلي من أصل تشيكي يدعى ( لويس براندييس ) كان ولسن قد عينه رئيساً للمحكمة العليا و هكذا أعطى بلفور وعده ( المشؤوم ) لليهود استنادا الى طلب و إلحاح الرئيس ولسن و معنى ذلك أن الرؤساء الأمريكيين من ولسن الى كارتر و ريغان كلهم نفس واحدة مع إقامة إسرائيل و بالتالي دعمها الغير محدود . 

ان جميع هذه المعاهدات جعلت العهود المقطوعة للعرب من قبل لورنس باطلة و قد اعترف لورنس بنفسه فيما بعد بقوله : 

(( أن أخبار هذه المعاهدات من وراء ظهري قد وصلت الى آذان بعض العرب عن طريق تركيا حينئذ طلب مني الأصدقاء العرب أن أضمن لهم تعهدات بريطانيا التي أنتمي إليها و لكني لم أكن قد أبلغت رسميا لا بتعهدات مكماهون و لا بمعاهدة سايكس بيكو لأن هذه المعاهدات و ضعتها وزارة الخارجية البريطانية و لكنني لست غبياً الى درجة الجهل بأنه إذا ربحنا الحرب ستكون تعهدات المسؤولين البريطانيين حبراً على ورق فلو كنت مستشاراً مخلصاً لكان علي تسريح جميع المقاتلين العرب ولا أدعهم يعرضون حياتهم للخطر بسبب تعهدات مشبوهة و لكن الحماس العربي معنا كان خير ورقة بيدنا في حرب الشرق الأوسط ضد تركيا حلية ألمانيا وهكذا أكدت لرفاقي في القتال أن إنكلترا ستحترم تعهداتها إذا ربحنا الحرب و لدي تأكيدي هذا أستمر المقاتلون العرب في القتال شجاعة أما من جهتي فلم أكن فخورا بما فعلت لأني لم أزل أحس بمرارة الخجل )) 

أما الحكومة البريطانية فقد اعتبرت أن لورنس يقوم بخداع العرب لمصلحتها فقامت بمنحه ( وسام الحرب ) و لكن لورنس عندما شعر بما يبيت للعرب رفض الوسام فأعتبر الملك البريطاني هذا الرفض إهانة له كما سبق له أن رفض استلام معاشه من الجيش البريطاني ليظل حرا في تصرفاته ، وعندما ذهب الشريف فيصل إلى باريس للأعداد لمؤتمر السلم في فرساي رافقه لورنس و دعمه بقوة وفي باريس حامت الشبهات حول لورنس وكان نوري السعيد يحرض الملك فيصل عليه وزادت الشبهات عندما نصح لورنس الملك فيصل بأن يعترف بقيام وطن قومي لليهود في فلسطين . 

وهكذا كشف نفسه و من المعروف أن الملك فيصل لم ينل شيئاً من باريس فعاد الى دمشق و قد عين ملكا لسوريا حتى اضطر الى مغادرتها بتاريخ 25 حزيران ( يونيو ) 1919 بعد معركة ميسلون المعروفة .
عودة لورنس الى بريطانيا : 


بعد كل ذلك و بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى انتهت مهمة لورنس تقريباً في البلاد العربية فعاد الى بريطانيا و بتوصية من رؤساء في المخابرات عين مستشاراً للسير ونستون تشرشل ( كان وزيرا للمستعمرات في حينه ) وبقي في هذه الوظيفة يمارس اختصاص الشؤون العربية حتى عام 1922 حيث استقال فجأة من عمله و كان قد بلغ من العمر حينئذ ( 34 ) عاماً و قد صرح لأحد الصحفيين عن سبب استقالته انه ترك العمل حتى في وزارة .. المستعمرات لأنه أصبح يخجل من نفسه لأنه لم يستطع تحقيق الآمال التي علقها عليه أصدقاؤه العرب و بعد هذه الاستقالة انطوى على نفسه مبتعداً عن الجميع و أصبح لا يتحمل حياة المجتمع و كعادته يتجنب النساء بشكل خاص . 

و بعد انقضاء عدة أشهر على هذه الحال قرر أن يشغل نفسه لينسى ما و فيه فانضم الى القوات الجوية البريطانية كجندي عادي و تحت اسم مستعار هو ( روس ) و بما أن بريطانيا كانت تستعمر أفغانستان فقد حصل تمرد من قبل القبائل الأفغانية مما اضطر المسؤولين في المخابرات البريطانية الى البحث عن لورنس و إخراجه من الجندية و إرساله الى أفغانستان باعتباره خبيراً في حرب القبائل عن طريق العراق الذي كان تحت الاستعمار البريطاني أيضاً ، و قد منح رتبة ( كولونيل ) و سمي في حينه رسول بريطانيا الى الشرق وقد حاول منذ وصوله إخماد التمرد بالقوة فأحتجت الحكومة الأفغانية مما دعا الحكومة البريطانية الى استدعاء لورنس من الحدود الأفغانية فعاد مجدداً الى لندن وبعد عدة أيام أطيح بالحكومة الأفغانية . 
في لندن انطوى على نفسه حتى لم يعد أحد يراه مطلقا فأخذت الإشاعات تنطلق هنا و هناك حول اختفائه ومنها من قال أنه أصيب بالجنون و عاد الى الصحراء العربية التي أحبها ليقضي بقية حياته فيها تكفيراً عن خداعه للعرب و إشاعة ثانية تقول انه توجه الى ( التيبت ) و انتسب الى أحد الأديرة البوذية و حلق شعر رأسه على الصفر و أصبح راهبا بوذيا هناك تأديبا لنفسه . 

لكن لورنس كان شغل نفسه بشيء آخر و لم يعد للصحراء ولا الى التيبت فقد ظهر في عام 1926 حيث تبين أنه كان معتكفاً في منزل ريفي صغير يؤلف كتابه الشهير الذي سماه ( أعمدة الحكمة السبعة ) الذي شرح به جميع ما جرى معه خلال الأعوام التى قضاها في البلاد العربية - مصر - السعودية - العراق - سوريا - و في هذا الكتاب قال لورنس كل شيء بصراحة متناهية فلا رحم أحداً من قلمه و لا رحم نفسه أيضاً حيث نشر أن بريطانيا خانت القضية العربية بمفهوم تلك الأيام و قد جاء الكتاب تحفة أدبية حوى كل شيء عن مغامراته و ما ان صدر هذا الكتاب الى الأسواق حتى عادت أسهم لورنس الى الارتفاع لدى الشعب البريطاني حتى وصل الى مرتبة التقديس و الإحرام من قبل البريطانيين الذين سمعوا بما قدم لبلاده من الخدمات فوصفوه بأنه جسد أفضل سمات الإنسان الشريف الحكيم العادل الشجاع الذي يتعامل مع الملوك و الشعراء و منهم من سماه ( هذا العربي ) الأبيض و ملك دمشق غير المتوج و أنه أشهر بريطاني في القرن العشرين بعد و نستون تشرشل و نتيجة تعلق البريطانيين به أقيم له تمثال في كاتدرائية القديس بولس الى جانب تمثالي نلسون و ولنفتون و قد وصفه أيضاً أحد الصحفيين بقوله : إن لورنس استطاع أن يلهم و يتزعم أكبر حركة عربية و وطنية و قاد هذه الحركة حتى نهايتها الظافرة و رغم انه كان يتمتع بشهرة و اسعة و سلطة تكفيه لجعله إمبراطور في أي مكان يختاره دون أن يعتنق ديناً غير دينه ( و يقد الصحفي دين الإسلام ) و لكنه مضى الى أبعد من ذلك بالعيش مع العرب البدو و الأكل على طريقتهم باليد من المنسف رأساً كل ذلك لكي يتيح الفرصة أمامهم للإعجاب به و الانقياد له و هذا ما حصل . 



ما لم يعرف عن لورنس : 


استمرت الهالة التي أحيطت بها حياة لورنس سنين طويلة بسبب حفظ وثائقه في ملفات وزارة الخارجية و رسائله في جامعة اكسفورد و من المعروف أن الحكومة البريطانية تمنع نشر الوثائق المتعلقة برعاياها و خاصة ما كان له علاقة بمؤامرات المخابرات البريطانية قبل انقضاء أربعين سنة عليها و يعاقب من يغش أو يسرق أو يصور هذه الوثائق بقصد إعطائها للغير بالسجن من خمس سنوات آلي عشرين سنة و لكن عام 1982 صدر تعدل بحيث يسمح برفع غطاء السرية عن الوثائق بعد مرور ثلاثين سنة فقط و هكذا كشف النقاب عن وثائق و رسائل لورنس و استطاعت الصحافة الحصول على أسرار حياة لورنس حتى تاريخ و فاته عام 1935 بحادث سيارة فتبين أن لورنس لم يكن متعلقاً بالعرب كشعب بل انه كان يمقتهم و يكرههم و انه لم يحاول توحيد قبائلهم المشتتة عندما كان الأمر بيده بهدف تكوين دولة عربية موحدة بل كان على نقيض من ذلك تماماً كان يسعى لتفتيت العالم العربي و تجزئته لأن مصلحة بريطانيا تحتم ذلك و علاوة على ذلك لم يكن يساعد قضية حرية العرب و استقلالهم كما ادعى و زعم حين عودته آلي لندن بل كان يبذل كل جهده لضم البلاد العربية آلي الإمبراطورية البريطانية و انه و عد العرب بالحرية و الاستقلال ( بناء لتعليمات المخابرات البريطانية) كما و عدهم بتشكيل دولة عربية واحدة لأنه كان يعلم أنه من الأسهل بمثل هذه الطريقة دفعهم للقتال ضد الأتراك و لكنه كان يعلم طيلة الوقت أن حكومته لن تسمح للعرب بالاستقلال و الحرية على الإطلاق لكي تستمر باستعمار هذه البلاد و نهب خيراتها و جاء بتقرير سري أرسله لورنس آلي المخابرات البريطانية عام 1916 قوله : 
إننا كبريطانيين إذا تصرفنا مع العرب كما يجب فإننا سنتمكن من تفتيتهم و تجزئتهم آلي إمارات صغيرة شبيهة بالموزاييك السياسي تغار من بعضها و تحارب بعضها و تبقي عاجزة عن التكاتف و الوحدة ، و فوق ذلك كله لورنس عالما باتفاقية سايكس بيكو و لكنه يخفي معلوماته عن العرب و لكنه اختلف مع المخابرات البريطانية فيما بعد ليس لأنها غدرت بالعرب و حنثت بوعودها لهم بل لأنها لم تقبل ( خطته ) في الغدر و الحنث بالوعود لأنه كان يريد أن يصبح حاكماً غير علني على إحدى الدول العربية الدائرة في فلك الاستعمار البريطاني و لكن لندن رفضت رغبته هذه في حينها و من خلاصة الوثائق و الرسائل التي خلفها لورنس وراءهأنه كان يكذب طول الوقت و كان يتخذ لنفسه صورة مأساوية كالتشبه بالشاعر الإنكليزي اللورد بايرون و لكنه لم يستطع أن يكون سوى أفاك واسع الحيلة و إن كتابه ( أعمدة الحكمة السبعة ) نصفه اختلاقات و إن لورنس كان في أفضل الظروف نصف محتال و آن المخابرات البريطانية تعرفه على حقيقته و مع ذلك سمحت لبعض موظفيها بأن يسموه ( رجل المخابرات البريطاني الأول في حينه ) و لما أصبحت في غنى عن خدماته تخلت عنه و ألقته جانبا بل و داسته كما يدوس المدخن عقب سيجارته بعد الانتهاء منها .
و مع ذلك لم يكن من الصعب عليه أن يصبح بين ليلة و ضحاها ( كاتباً ) و يعتكف في منزله الريفي عدة سنوات ليخرج و يطبع كتابه الشهير ( أعمدة الحكمة السبعة ) الذي أحدث ضجة كما ذكرنا حتى تشر شل بعد الاطلاع على هذا الكتاب الذي أهداه له لورنس و صفه بأنه من أعظم الكتب التي وضعت في كل زمان و مكان ووصف الجاسوس البريطاني بأنه يتميز بعبقرية أدبية هائلة ثم اتضح فيما بعد أن الكاتب البريطاني الساخر ( برنادشو ) قد ساعده في تحرير هذا الكتاب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق